( تقرير خاص )
يجتهد الرجل، الذي اعتاد على جمع الجثث من جبهات القتال، في المساهمة بإعداد ملف المفقودين ضمن مشروع دعم العدالة الانتقالية في اليمن.
مهمة جديدة يخوضها حاليا هادي جمعان، المعروف بـ"الوسيط المحلي"، بينما ينتظر وفريقه السماح لهم بالعودة إلى الجبهات لاستنئاف مهمة البحث عن الجثث المنسية والضائعة.
يقول هادي في حديثه لموقع صحافة السلام: "نعمل حاليا ضمن مشروع دعم العدالة الانتقالية في مجال ملف المفقودين، إلى حين تجاوز طرفي النزاع نقطة الخلاف التي عرقلت عملنا".
وأضاف: "حتى الآن، ترفض الحكومة المعترف بها دولياً الخوض في أي ترتيبات إنسانية، من هذا القبيل، قبل الكشف عن مصير السياسي المخفي قسرا لدى الحوثيين محمد قحطان، والإفراج عنه".
بداية المهمة درامية
قصة هادي جمعان في جمع الجثث درامية وملهمة في آن، خاصة وأن بدايتها مؤثرة ومحفزة له ولفريقه.
يروي هادي قصته بالقول: "قبل نحو عشر سنوات، كنت أنشط في العمل المجتمعي، فتلقيت ذات يوم اتصالا هاتفيا من صديق يناشدني التدخل لإخراج جثة قريب له من أحد الموقع العسكرية في الجوف".
وتابع: "حين ذهبت لإخراج الجثة، وجدت العديد من الجثث جوارها، فآلمني المشهد، وقررت التوسط لنقلهن جميعا؛ وهو ما جعلني حديث الناس، وخاصة أسر المفقودين الذين تواصلوا معي لذات المهمة".
هذه التجربة الإنسانية والأخلاقية، دفعت جمعان إلى تشكيل فريق للتواصل وجمع المعلومات حول الجثث، والتنسيق مع جميع أطراف الصراع والقيادات المعنية. لم تكن مهمته ورفاقه بالأمر السهل، خصوصاً في ظلّ القتال المستمر. ففي ذروة اشتعال المعارك الطاحنة، خاض هادي جمعان مع رفاقه معركة أخرى، متسلّحين بأعلامهم البيضاء وأكياس حفظ الجثث، للعمل على انتشال وحفظ ونقل جثث ضحايا أطراف الصراع وتسليمها إلى ذويها.
نموت كل يوم
واجه هادي وفريقه العديد من المخاطر خلال عملهم؛ حيث تعرّض البعض منهم لإصابات جرّاء استمرار أعمال القتال، إضافة إلى الاعتقالات والاتهامات بالانحياز لطرف دون آخر.
كما تعرض هادي لإصابة برصاصة في صدره، بعد أن أخطأت طريقها إليه وهو في مهمة جمع الجثث، إثر انقطاع التواصل مع القادة المتحاربين. نُقل حينها إلى أحد مشافي صنعاء وظل فيه 45 يوما دون علم عائلته.
يضيف هادي: "كانت إصابة مريرة، وحرصت على ألا أفزع عائلتي، وأوهمتهم بأنني في مهمة عمل في صنعاء".
إضافة إلى تلك التحديات، يواجه فريق جمعان -في أحيان كثيرة- صعوبة التعرّف على العديد من الجثث، لتحلّلها بسبب بقائها في المواقع لفترات طويلة تصل أحياناً إلى أسابيع أو أشهر، وقد تصل إلى سنة وأكثر. كما لا تتوفر لدى المرافق الصحية في تلك المناطق ثلاجات متخصّصة لحفظ الجثث.
مخاطر المهمة تذكر "جامع الجثث" بالموت؛ لكنه يرى فيها أملا لكثير من العائلات المكلومة بالفقد، حيث يقول: "أنا وفريقي نموت كل يوم، لكننا لا نستسلم أبداً، فعندما نعيد الجثث إلى ذويها نشعر بسعادة كبيرة ويحفزنا ذلك على مواصلة المهمة".
2400 جثة تم جمعها
منذ بدء عمله في منتصف أغسطس 2015، تمكن هادي جمعان وفريقه من جمع 2400 جثة من مختلف جبهات القتال.
أُطلق عليه لقب "جامع الجثث"، وتم استدعاء مهاراته للتفاوض بشأن تبادل الأسرى بين الحوثيين والقوات الحكومية، وإقناع مقاتلي الحوثي بالسماح بدخول المساعدات إلى بعض المناطق المحاصرة.
ونظير دوره الإنساني، فاز جمعان بجائزة أورورا الإنسانية لعام 2022، والتي تعد أرفع جائزة في العمل الحقوقي وتمنح لمن لهم تأثير استثنائي ويُعرّضون أنفسهم للخطر لمساعدة الآخرين.
يأمل الرجل السماح له وفريقه بالعودة إلى الجبهات لاستنئاف مهمة جمع الجثث، ونقلها إلى عائلات المفقودين. فحتى الآن، تمتلئ مفكرته بالمئات من الأسماء يعتزم العثور على أصحابها وإعادة جثثهم إلى عائلاتهم.
ينحدر هادي جمعان من محافظة الجوف، ويحظى بعلاقات واسعة مع كافة أطراف النزاع. ودائماً ما يؤكد للجميع بأنه وسيط محايد، وينفذ مهمة إنسانية، كجزء من مبادرات السلام.
ويدعو جمعان جميع أطراف الصراع إلى تحييد عمل فريقه الإنساني ومساندته؛ لأن البحث عن الجثث والوساطة بشأن الأسرى عمل إنساني بحت، وفق تعبيره.