( ابتهال سلمان )
عقد من الزمن عاشته اليمن في دوامة الصراع الذي دفعت فيه المرأة الفاتورة الأثمن والأكثر ألما، بدءاً من خسائره المباشرة وليس انتهاءً بتداعياته الاقتصادية والنفسية والاجتماعية.
لم تسلم المرأة اليمنية من آثار العنف سواء وهي تعيش داخل البلد، أو عندما يحاول بعضهن الفرار خارج الحدود للنجاة بحياتهن وحياة أفراد أسرهن، فيلحق العنف بهن حيثما كنّ.
وإن كان العنف في أرض الوطن مزدوجاً، سواء كان داخلياً من قبل الأسرة، أو خارجياً من قبل البيئة المحيطة وظروف الأوضاع الأمنية والمعيشية، إلا أن ما أصاب كثيراً من اليمنيات في بلاد الغربة أشد وأنكى.
قصص مأساوية ومتعددة لسيدات يمنيات خذلهن الشريك، حتى وصلن إلى قناعة ورغبة في الانفصال، وهنا تبدأ رحلة معاناة جديدة، بين غربة ومعاملات لها أول ولكن نهايتها قد تكون شبه مستحيلة؛ لتظل الراغبة منهن في الطلاق رهن دوامة إجراءات ومعاملات تثقل كاهلها المتعب من الأساس.
ضرب وإهانة في الوطن وخارجه
بعد رحلة طويلة من المشاكل والضغط النفسي التي بدأت في اليمن، لتنتقل معها وعائلتها إلى القاهرة بعد أن اضطرت لأن تنزح هرباً من ظروف الحرب والاعتداءات المتكررة على زوجها وأطفالها من قبل جماعة الحوثي، تقول هبة (اسم مستعار) لموقع "إعلاميون من أجل السلام" إن مشاكلها مع أبي أولادها الثلاثة بدأت منذ العام الأول من الزواج؛ حيث كان الزوج الاتكالي غير المسؤول يتصرف بأنانية مفرطة.
تضيف هبة: "كنت كلما شكوته لأهلي يقولون: الطلاق ليس أمراً جيداً. اصبري، غداً يتغير عندما يكبر ويأتي الأولاد. كبُر وجاء الأولاد، وكبروا هم أيضاً؛ لكن المشاكل كبرت بدورها، حتى أصبح البيت جحيماً بأربعة جدران. وكانت القشة التي قصمت ضهر البعير أنه ما إن وصل أرض مصر حتى تغير حاله السيئ إلى الأسوأ؛ يتركنا أنا وأولاده أياماً بأكملها، ولا نعلم أين يذهب. وعندما يعود نعرف أنه كان برفقة أصدقاء له. يتركنا دون مصاريف ودون اهتمام بحالنا وبما نحتاج، مشاكل شبه يومية وضرب لي وللأولاد. طلبت منه الطلاق كثيراً، ولكن في كل مرة أطلب فيها الطلاق أتلقى منه ضرباً مبرحاً".
تتابع: "بعدها توجهت إلى سفارتنا في القاهرة لأطلب الطلاق. وهناك قالوا لي إنه يجب أن يحضر بنفسه ويطلق. وهذا ما لم يحصل. عدت مرة أخرى وقلت لهم إنه يرفض أن يطلقني، فقيل لي إنه لا يوجد حل للموضوع سوى أن أرفع قضية في اليمن أو في مصر".
وعلى الرغم من أنه يحق للزوجة في القانون اليمني للأحوال الشخصية طلب الطلاق دون المساس بحقوقها فى حالة إهانة الزوج لها أو التعرض لها بالضرب، أو في حالة عدم إنفاقه عليها، إلا أن هذا لم يشفع لـ"هبة" التي تكمل قصتها قائلة: "توجهت إلى القنصلية اليمنية وعملت توكيلاً لأخي في اليمن بأن يرفع قضية طلاق هناك. لكن أخي ماطل في الأمر؛ لأنه في الأساس يرفض موضوع الطلاق. اضطررت لأن أتوجه إلى محام مصري باحثة عن الطلاق. وتكلفت ما تكلفت. ولكنه (أي الزوج) ظل رافضاً. وبعدها اختفى لشهور. خلال هذه الفترة، انتهت إقامتي وإقامة أطفالي، ولم أستطع تحمل نفقات تجديدها. طلب مني المحامي ضرورة تجديد الإقامة حتى يسير في إجراءات قضية الطلاق. وهذا الذي لم أستطع عمله".
واختتمت هبة قصتها بالقول: "حتى الآن، سنة ونصف مرت عليّ، وحالي من سيئ إلى أسوأ. يعود أبو أطفالي كل أربعة أو خمسة أشهر يطالب بالعلاقة الحميمية، وعندما أرفض يشبعني ضرباً أنا وأطفاله، ويغادر مجدداً. وهكذا بت معلقة؛ لا أنا متزوجة وأحظى بالاحترام والحياة الأسرية الطبيعية، ولا أنا مطلقة وأعيش بسلام".
معاناة وانتظار لسنوات
أما أم محمد، وهي يمنية تزوجت من يمني في القاهرة منذ 4 سنوات ورزقت بطفلين من هذا الزواج، فتقول لموقع "إعلاميون من أجل السلام" إنها طلبت الطلاق من زوجها، بعد أن وصلت المشاكل إلى حد اللا رجعة. فزوجها -حسب ما تقول- "سليط اللسان، لا يُقدّر معاناتي في الغربة وتعبي، وأنا أجري بأطفالي بين الحضانة والعمل لأضطر للذهاب إلى العمل كمدرسة في الصباح في إحدى المدارس الأهلية، وتأدية دروس خصوصية بعد دوام المدرسة؛ حتى أوفر قوت أولادي، بعد أن تعذر عليه العمل، بسبب تعاليه على كل فرصة عمل يتحصل عليها. فهو عاش حياة رغيدة قبل الحرب في اليمن، ولا يستوعب أن الأمر اختلف في مصر، وأن الحياة تتطلب لاستمرارها تنازله عن برجه العالي، وأن يعيش عيشة أغلب اليمنيين هنا".
تضيف أم محمد: "شبعنا جوعاً وحاجة، وهو لا يحرك ساكناً. اضطررت لأن أخرج للعمل، وابني رضيع لا يتجاوز عمره شهرين. لم يشفق عليّ ولا على طفله الرضيع الذي لا يجد حتى قيمة الحليب. فالرجل الذي من المفترض به أن يعيلنا، تحول إلى عالة عليّ أثقلت كاهلي".
وتتابع: "وضعتُه بين خيارين؛ إما أن يخرج للعمل ويتكفل بما تيسر من احتياجات البيت، أو يطلقني. ولكنه لم يرضَ بشيء، وقال لي: ستظلين معلقة ولن أطلق. ذهبت إلى السفارة، ولكن دون جدوى. اضطررت لأن أتوجه إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لأستخرج كرت لجوء. والآن رفعت قضية طلاق مع محام تابع للمفوضية، ولكن الأمر أيضاً ليس بتلك السهولة؛ فالموضوع يحتاج إلى شهور طويلة -إن لم يكن سنوات- حتى أتحصل على حكم الطلاق".
انفصال على مضض وأطفال بلا نفقة
أما هاجر، وهي يمنية مقيمة في القاهرة منذ 9 سنوات، فتحصلت على الطلاق في السفارة؛ بعد أن حضرت هي وأبو أولادها، وتمت إجراءات الطلاق هناك.
هاجر لم تتعرقل في منحها الطلاق، لكنها تعرقلت في موضوع النفقة لأولادها الأربعة؛ فطليقها لم يلتزم بالنفقة على أولاده.
تقول هاجر إن طليقها طلق على مضض، بعدما هددته بفضح سلوكه غير السوي ومشاكله في البلد المضيف، والتي وصلت إلى أقسام الشرطة، مشيرة إلى أنه الآن ينتقم منها بعدم منحها النفقة لتصرف على أطفالها الأربعة.
إجراءات الطلاق في مصر
يحق لليمنيين في مصر الطلاق عبر المحاكم المصرية أو اليمنية. ففي حال طلبت الزوجة الطلاق ورفض الزوج، يتم الطلاق عبر طريقتين؛ إما في مصر، حيث يتوجب على الزوجة توكيل محام مصري والسير في القضية، أو عبر وكالة من الزوجة لرفع إجراءات التقاضي في اليمن.
وبحسب مصدر مطلع في جمهورية مصر العربية لموقع "إعلاميون من أجل السلام" -فضل عدم ذكر اسمه- هناك طرق عديدة في
إجراءات إنهاء العلاقة الزوجية لليمنيين في مصر.
واحدة من تلك الطرق تقول بأنه في حالة الاتفاق بين الزوجين على إنهاء علاقتهما، بإمكانهما إحضار ورقة عقد الزواج موثقة، وبموجبها يمكنهما تحرير وثيقة طلاق من السفارة، أو تحرير توكيل إلى اليمن لاستخراج وثيقة طلاق من الجهات المختصة هناك.
أما الطريقة الثانية ففي حالة عدم الاتفاق بين الزوجين على إنهاء العلاقة الزوجية، مع وجود خلاف قائم بينهم، يكون أمام الزوجة خياران؛ إما عمل توكيل من السفارة اليمنية لمحام في اليمن تطلب فيه إنهاء العلاقة الزوجيه حسب الشروط التي ينظمها القانون اليمني (قانون الأحوال الشخصية) من طلاق وخلع وفسخ، فإذا كان الزوج مقيماً في اليمن يتم إعلانه عبر المندوب، وإذا كان مقيماً خارج مصر يتم إعلانه عبر مكتب الخارجية بالمحافظة التي تقام فيها الدعوى، ويتم ذلك بمذكرة ترسل إلى السفارة لحضور الجلسات، وإذا امتنع الزوج فإن القاضي ينصب بدلاً عنه محامياً ويبدأ في اجراءات التقاضي.
هذا بالنسبة للخيار الأول. أما الخيار الثاني فهو توكيل محام مصري ورفع دعوى أمام القضاء المصري. ولكن هذه الحالة -بحسب المصدر- ليست موثوقة للوصول إلى النتيجة المراد تحقيقها؛ وذلك لأن القضاء المصري طلب في الفترة الأخيرة أن يكون هناك عنوان إقامة للزوج في جمهورية مصر. كما أنه في بعض الأحيان يتم إحالة القضية إلى القضاء اليمني حسب النصوص القانونية (وهي جنسية العقد)؛ كون العقد تم تحريره في اليمن.
طلاق شائك وإجراءات معقدة
الناشطة والمحامية منية محمد تقول لموقع "إعلاميون من أجل السلام" إن موضوع طلاق اليمنيات في القاهرة شائك جداً، ومن المهم التطرق إليه؛ لما له من ضحايا كثر بين اليمنيات اللواتي يعانين الكثير من العنف الممارس عليهن من عدة إطراف، مشيرة إلى أن الإجراءات المعقدة والطويلة -للأسف- لا تكلل في كثير من الأوقات بالنجاح.
تضيف محمد: "إذا كان الزوجان متواجدَيْن في القاهرة، مع رفض الزوج أمر الطلاق، فهنا تكون السفارة -ممثلة بالدائرة القانونية- هي المعنية بالبت في أمر الطلاق؛ وذلك بأن تقوم بوضع إعلان للزوج يلزمه بالحضور إلى السفارة بناء على طلب الزوجة الطلاق، والسماع من الزوج عن سبب رفض الطلاق، ويتم الجلوس مع الطرفين، ويطبق قانون الأحوال الشخصية اليمني في البت بموضوع الطلاق من عدمه.
وتوضح: "أما في حالة عدم معرفة مكان الزوج فهنا يكون الأمر أكثر صعوبة؛ حيث يتم الرجوع إلى الزوجة لإعطاء عنوان أو معلومات يمكن أن تقود إلى عنوان الزوج أو رقم هاتفه أو إلى صديق مقرب له يمكن عبره التوصل إلى مكان إقامة الزوج، ليتم تسليمه الإعلان من الدائرة القانونية للسفارة. أما إذا كان موطن إقامة الزوج مجهولاً ولفترة طويلة، فهنا يتعقد الأمر أكثر أمام الزوجة، ويتوجب الإعلان ثلاث مرات عبر الصحف الرسمية للبحث عنه. وإذا لم يتم التعرف إلى عنوانه أو لم يتم حضوره هنا، فبالإمكان السير في إجراء التقاضي، ويكون طلاق الغائب".
وترى محمد أن دور السفارة ضعيف نوعاً ما، وذلك لعدم وجود آلية واضحة وفعالة في مسألة حل النزاعات الأسرية بين الزوجين، سواء طلاقاً أو فسخ عقد أو نفقة أو حضانة أطفال، بحسب القانون اليمني، مؤكدة أن المفترض بالسفارة أن تكون مكلفة قضائياً فتقوم بإصدار الأحكام وتعميدها باعتبارها الجهة المخولة والمسؤولة عن المواطن اليمني في أرض مصر، والمعنية بكل ما يتعلق به، وبعيداً عن الولوج في المحاكم المصرية، بسبب اختلاف القوانين بين البلدين فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية، وخاصة مع نمو هذه الإشكالية أمام اليمنيات المتواجدات في القاهرة.
بدوره، يقول وليد الزريقي، رئيس "مبادرة مجتمع وجود" اليمنية في القاهرة، إن دور السفارة غائب بالنسبة للمواطن اليمني، كما هو غياب دور الهيئات العاملة تحت مظلة الأمم المتحدة بالنسبة لليمنيات اللواتي يلتمسن اللجوء. فإذا كانت المرأة لا تحمل (كرت) اللجوء، فإن السفارة معنية بحل هذه القضية، لكنها للأسف لا تقدم لها شيئاً. وذات الحالة بالنسبة للمؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين، والتي أيضاً لا تحرك ساكناً، وتظل المرأة اليمنية تنتظر شهوراً طويلة تمتد في بعض القضايا إلى سنوات، دون الوصول إلى حل.
يضيف الزريقي لموقع "إعلاميون من أجل السلام": "وهنا أريد التنويه بأن المبادرة بادرت إلى تسليم نسخة من القانون اليمني بعد تعميده في الجهات الرسمية اليمنية، ليكون دليلاً إرشادياً للمحامين المصريين في المؤسسة سالفة الذكر، للسير على ضوئها في إجراءات التقاضي ولتسهيل وتسريع القضايا الكثيرة المعلقة دون بت فيها؛ حيث إن القانون المطبق في قضايا الأحوال الشخصية هو قانون موطن الزوج، ولكن دون أي فائدة، لتظل النساء معلقات، وما يترتب على ذلك من أثر نفسي واجتماعي كبير يلحق بهن".