آلاف الأطفال اليمنيين في مصر خارج أسوار المدارس 

الرئيسية | السلام في اليمن | الثلاثاء ، 22 اكتوبر 2024 ٠١:٤٧ مساءً

( تحقيق إخباري : ابتهال سـلمـان )

كان اللقاء بـ"إسلام"، الطفل اليمني البالغ من العمر 14 عاماً، صدفة في أحد المطاعم اليمنية بالعاصمة المصرية القاهرة، حيث يشتغل كعامل توصيل. يقول "إسلام" بنبرة منكسرة: "لو كنت أستطيع الذهاب إلى المدرسة ما كنت لأعمل هنا".

"محمد" أيضا، الطفل اليمني الذي قدم إلى مصر قبل خمس سنوات، كان يدرس في الصف الرابع؛ لكنه حتى اليوم لم يلتحق بالمدرسة، حيث أصبح أقرانه حاليا في الصف التاسع، بينما توقف به الزمن هنا.

تقول والدة محمد، بصوت ملؤه الحزن، إنها تشعر بالقهر العميق على طفلها وإخوته الثلاثة، الذين لا تختلف معاناتهم عن معاناته، فجميعهم تسربوا من المدارس، ويفترض أن يكون أكبرهم الآن قد أكمل الثانوية العامة؛ ولكنه لم يستطع مواصلة الدراسة.

ترجع أم محمد بقاء أولادها خارج أسوار المدرسة إلى عدم قدرتهم على تسديد رسوم تجديد الإقامات كل ستة أشهر، فكيف برسوم المدارس المرتفعة، لاسيما اليمنية منها؟! وبحسب أم محمد، فإن رسوم المدارس اليمنية في القاهرة هي الأعلى بين المدارس الخاصة. وفي حين أن المدارس الحكومية المصرية أقل كلفة؛ إلا أنها تشترط إقامة سارية، "وهذا حمل فوق طاقتنا أنا ووالدهم".

حاولت أم محمد طرق الأبواب وتوجهت إلى سفارة اليمنية لمساعدتها في حل مشكلة تعليم أطفالها، وبالفعل تم منحها مقعداً مجانياً وحيداً، تم اقتراع من سيأخذه من أبنائها الأربعة؛ لكنها أيضا لم تستطع الاستفادة منه؛ إذ لم تتمكن من توفير رسوم الزي المدرسي والكتب وباص المدرسة، والتي تكلف مبلغاً باهظا قياسا إلى قدرتها.

 توجد في القاهرة 12 مدرسة يمنية خاصة تعمل بترخيص من السفارة اليمنية، وتسمح للطالب اليمني بالالتحاق بها دون شرط تقديم الإقامة؛ لكن تكاليفها باهظة على الكثير من الأسر اليمنية.  تقول أم محمد: "ما نزال أنا وأطفالي عالقين في حلقة مغلقة من اليأس والخيبة تتجدد كل عام دراسي".

رسوم مرتفعة

الكثير من الأسر اليمنية التي نزحت هم من عامة الناس، ويعيشون أوضاعاً مأساوية تبدو في ملامحهم، وبوضوح أكثر في وجوه أطفالهم. ولقد كبر أكثرهم دون أن يعايشوا إلا الصراع، في حين أن من المفترض منح هؤلاء الأطفال بعض الأمل بمستقبل يسوده السلام".

يُعامل اليمنيون معاملة المصريين من حيث الحق في التعليم؛ لكن يبقى اشتراط الإقامة حجر عثرة أمام الأسر اليمنية التي نزحت في ظل جحيم الحرب، إما فرارا منها وإما للعلاج.

وتمثل رسوم الإقامة عبئاً كبيراً على غالبية تلك الأسر، خاصة أنها أعلى من رسوم بقية الجنسيات المقيمة في مصر، والتي ارتفعت مطلع أيلول/ سبتمبر هذا العام من 1650 جنيهاً مصرياً، إلى 7500 جنيه، ما يعادل 150 دولارا، للفرد الواحد وهو مبلغ يعده هؤلاء اليمنيون مبالغاً فيه جدا، ولا يراعي كون أغلبهم جاؤوا هروبا من معاناة الحرب. هذا المبلغ أصبح مفروضاً على جميع اليمنيين، حتى من عمر يوم واحد، بعدما كان مقرراً فقط على من تجاوزوا 14 عاما من العمر، ودون الـ60 عاما.

حتى المعفيون سابقا، ألغت القرارات الأخيرة إعفاءاتهم، ناهيك عن فرض غرامات إدارية بأثر رجعي عن كل سنة إعفاء، تقدر بخمسة آلاف جنيه، قرابة 110 دولارات، وهذا الأمر عقّد الأمور أكثر أمام الأسر اليمنية.

أطفال يكبرون خارج المدارس الكثير من أبناء اليمنيين قد بلغوا سن الحادية عشرة، دون أن يلتحقوا بالمدرسة حتى الآن. آخرون انقطعوا عن الدراسة بعد التحاقهم بالمدارس منذ عامين أو ثلاثة؛ بسبب عدم قدرتهم على سداد رسوم الإقامة، التي تعد شرطاً رئيسياً لدخول المدارس.

تلجأ بعض الأسر إلى اختيار طفل واحد ليدرس، بينما يظل إخوته دون مدرسة، لعدم قدرتها على تجديد إقامة أطفالهم دفعة واحدة، وهو ما يفاقمه ارتفاع رسوم وتكاليف المدارس الخاصة، المصرية واليمنية، كأنما تتنافس هذه المدارس في رفع رسوم التعليم.

بالطبع يظل خيار المدارس الحكومية متاحاً؛ لكن تظل تواجهه بعض الصعاب، أبرزها اشتراط إقامة سارية، ناهيك عن الازدحام الشديد والتنمر وصعوبة الاندماج فيها. وضع لا يبشّر بانفراجة قريبة، بل إن الأمور تسير بتسارع نحو مفاقمة العقبات واحدة بعد أخرى أمام الأطفال، الذين لا يحلمون بشيء سوى أن يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة، كبقية الأطفال من أقرانهم .

وعود زائفة

 

أشارت إحصائيات غير رسمية صدرت في العام 2022، إلى أن عدد المتسربين من المدارس بين أبناء الجالية اليمنية في مصر يتجاوز 10 آلاف طالب وطالبة. بالتأكيد أن هذا العدد قد ارتفع الآن، خاصة مع قرار رفع رسوم الإقامة مطلع العام الدراسي 2024/ 2025. وفي ظل عدم توفر حلول بديلة ينتظر هؤلاء الأطفال مستقبلاً مظلماً.

وأوضحت دراسة حديثة أعدتها منظمة الهجرة الدولية أن عدد المقيمين اليمنيين في مصر يصل إلى مليون شخصا، في حين قالت السفارة اليمنية إن عددهم يتراوح بين 550 ألفا و650 ألف شخص، وهو عدد مرتفع جدا مقارنة بعددهم قبل العام 2015، إذ كانوا حوالى 70 ألف يمني فقط.

ولا يبدو -حتى الآن- أن هناك أملاً لكل الأطفال المتسربين من التعليم، ما ينذر بجيل أميٍّ بلا أمل في مستقبل آمن، إن استمر حرمانهم من التعليم، ناهيك بحرمانهم من الوطن ومن حقهم بما يحلم به كل طفل. وفي هذا الشأن ما من تحرك جاد للجهات المعنية، من السفارة أو الجالية.

وكل ما نسمع به بين الحين والآخر هو مجرد أفكار ووعود بمدارس مجتمعية منخفضة الرسوم تتجدد كل عام، دون أن ترى النور على أرض الواقع