( تقرير خاص )
وأنت تتأمل جغرافيا محافظة المحويت، غربي صنعاء ، ترى قرى معلقة على أكتاف جبال شاهقة، شديدة الانحدار، وفي جنباتها حواجز مائية عدة، بعضها بدائي البناء.
تلك القرى المتناثرة الوديعة، مثل غيرها من قرى اليمن، لطالما مثّلت قبلةً للفارين من ضجيج المدينة وكلفة الحياة فيها، ووجهة ملائمة للباحثين عن الهدوء والسكينة وراحة البال. غير أن هذا الهدوء انقلب فجأة، وفي هجعة ليل السادس والعشرين من آب/ أغسطس، إلى فيضان كارثي أتى على المنازل وأهلها، ولم يبق منها سوى حجر وردم كثيف.
هذا ما حدث في مديرية "مُلْحان"، التي تضم عشرات القرى، معظمها يفتقر للطرق المعبدة والخدمات الأساسية.
تفاصيل الفاجعة
ساعات قليلة فقط كانت كفيلة بتحويل قرى مديرية "مُلحان" إلى مقبرة جماعية وخرائب. خلال تلك الساعات، هطلت أمطار غزيرة غير مسبوقة، أدت إلى سيول ضخمة جرفت عشرات المنازل والممتلكات، والطرقات، وفجّرت سدوداً وحواجز مياه، وتسببت بانهيارات صخرية وترابية فاقمت مأساة القرى المنكوبة، أبرزها قرى: "حورة"، "المداور"، "الحرف"، "بني حريش"، "همدان"، و"القبلة".
أحدث الخسائر
خلفت الكارثة عشرات الوفيات والمفقودين تحت الأنقاض والطمي. أما الأحياء فهم بلا مأوى وبلا طعام.
وفقاً للأمم المتحدة فإن التقييمات المستمرة لآثار السيول التي اجتاحت تلك المناطق، الثلاثاء الماضي، تشير إلى تضرر 1020 أسرة، ومقتل وفقدان أكثر من 41 شخصاً، ودمار 40 منزلاً دماراً كلياً و230 منزلا دماراً جزئياً.
وأكد صندوق الأمم المتحدة للسكان أن فرق الاستجابة الطارئة تبذل جهوداً كبيرة من أجل الوصول إلى المناطق المنكوبة، والمساعدة.
وكانت غرفة عمليات محافظة المحويت، والدفاع المدني، قد أشارت إلى أن حصيلة الضحايا استقرت في اليوم الثالث منذ وقوع الكارثة عند 38 متوفى ومفقوداً، وهي حصيلة غير نهائية، إلى حين وصول فرق الدفاع المدني ومعداتها إلى المناطق المنكوبة، وانتشلت فرق الدفاع المدني والفرق المساندة والأهالي حتى اليوم الثالث 16 جثماناً.
عمليات الإغاثة
فور الكارثة، انتشرت مقاطع مصورة بعدسات هواتف السكان، للدمار الذي حل، وظهر بعض الأهالي المكلومين وهم يبحثون عن أحبائهم في مجاري السيول وتحت أنقاض المنازل وركام الحقول، ويحصون خسائرهم، مناشدين مساعدتهم في عمليات البحث والإنقاذ.
أعلنت السلطات مديرية "مُلحان" منطقة منكوبة، وتعالت أصوات المناشدات ونداءات الاستغاثة العاجلة، من الأهالي، والمغردين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أطلقوا هشتاغين: "#ملحان_منكوبة"، و"#ملحان_تستغيث".
وقد تضمّنت هذه المناشدات والنداءات استغاثة عاجلة موجهة إلى منظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية، والميسورين، من أجل إنقاذ حياة مَنْ يمكن إنقاذهم ممن جرفتهم السيول، والبحث عن المفقودين، وإغاثة السكان المحاصرين والمشرّدين في العراء.
جغرافيا المكان
جغرافيا المديرية الصعبة فرضت بطء وتيرة حركة معدات الدفاع المدني وتقدُّمها نحو القرى المنكوبة، فيما استمرت أعمال الإغاثة وتقديم المساعدات بمجهودات فردية.
وقالت سلطات جماعة الحوثي إن "انقطاع الطرقات نتيجة السيول أعاق وصول فرق الإنقاذ عن الوصول إلى عشرات آلاف السكان المحاصرين في رؤوس الجبال."
وكانت فرق الدفاع المدني قد أعلنت، الخميس، أنها انتشلت جثامين 16 متوفى، بينها 13 جثماناً من منطقة "القبلة" فقط، جرفتهم السيول إلى الوادي، وأنقذت طفلاً رضيعاً بعد أن جرفته السيول.
تكرار الكارثة
كارثة السيول في "مُلحان" سبقتها كارثة السيول في محافظتَي الحُدَيدة وحَجّة ومناطق يمنية أخرى، خلفت عشرات الوفيات، ودمرت مئات المنازل والبنية التحتية، وسببت خسائر جسيمة في الممتلكات الخاصة والعامة.
الملفت في الأمر هو عدم الاستفادة من كوارث مماثلة حدثت في السابق، وعدم التعاطي معها بإجراءات واحترازات تتفادى تكرارها، أو على الأقل تخفيف أضرارها، خاصة وأن التداعيات لا تزال ماثلةً بتفاصيلها المأساوية، وأن الأمطار لا تزال متواصلة الهطول على عددٍ من مناطق اليمن، منذرةً بكوارث مماثلة في الفترة القادمة، ما يحتم تضافر الجهود، مجتمعية ورسمية وإقليمية ودولية، لمساعدة المتضررين.