( تقرير خاص )
قبل عام، ماتت زوجة المخفي قسراً علي قناف زهرة قبل أن تعرف مصير زوجها منذ 45 عاما، ورحل معها جزء من ذاكرة أهالي المفقودين منذ الستينيات، وصولا إلى حرب الحوثي التي بدأت في 2013 وما تزال.
هذه السيدة، التي حافظت على قضية زوجها حية لأكثر من أربعة عقود من الزمن، هي واحدة من بين أهالي هؤلاء الذين باغتهم الموت قبل أن يودعوا للمرة الأخيرة رفات أحبائهم، وقبل أن يكتمل عقد "رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسرا" التي مضى على تأسيسها ثمان سنوات.
كفاح أمهات المخفيين
تحاول القائمات على قضية المخفيين قسراً إبقاءها حيةً عبر طرق مختلفة، بوقفات احتجاجية أسبوعية، وأحياناً بحملات إلكترونية تناشد الكشف عن مصير المفقودين.
ولكن تبقى ذاكرة الأمهات والزوجات والأبناء هي الأكثر التصاقاً بهذا الملف، الذي لم تتمكن التهدئة الباردة في اليمن من الانفتاح عليه أو التعاطي معه. وبقيت ذاكرة الإخفاء القسري والحرب ملتصقة بيوميات آلاف المفقودين والمخطوفين.
اليوم الدولي للمخفيين قسراً
في اليوم الدولي للمخفيين قسراً، والذي يصادف 30 أغسطس/آب، خرجت رابطة أمهات المختطفين، في معظم مدن البلاد الرئيسية؛ للتذكير بمن ابتلعتهم سجون أطراف النزاع ولا يُعرف عنهم شيء.
الرابطة قالت إنها، وعشرات المنظمات المحلية والدولية، أطلقت نداءً للرعاة الدوليين لمحادثات السلام في اليمن، من أجل إدراج ملف المخفيين قسراً ضمن أولويات مباحثات إنهاء الأزمة، وأن تتضمن أي عملية انتقالية تشكيل لجنة وطنية للبحث عنهم ومعالجة أوضاعهم وأوضاع عائلاتهم.
طالب النداء مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق؛ لضمان عدم ضياع الأدلة وحفظ القضايا لاستخدامها ضمن فرص العدالة المرتقبة.
حصيلة المخفيين قسراً
يصعب إيجاد رقم دقيق لعدد المخفيين قسراً في اليمن، لاسيما وأن هذه الجريمة ارتكبت خلال دورات الصراع السياسي التي شهدتها البلاد منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وحتى نهاية القرن، ولا تزال تلك اللوحات المرسومة على جدران شوارع صنعاء شاهدة على وجوه بعض الضحايا.
غير أن العقد الأخير شهد سلسلة من هذه الجرائم على يد جميع أطراف النزاع.
وفق بيان لمنظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى، في العام 2023، فإن الأطراف المتنازعة في اليمن ارتكبت 1,168 حالة إخفاء قسري، وذلك منذ عام 2014 وحتى مطلع عام 2023.
كانت جماعة الحوثي مسؤولة عن (596) حالة، يليها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي كان مسؤولاً عن (349) حالة، ثم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتي كانت مسؤولة عن 223 حالة.
بالإضافة إلى ذلك، ارتكب التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات (38) حالة إخفاء قسري، وارتبطت قوات النخبة الحضرمية بـ(28) حالة، والقوات المشتركة بـ(15) حالة، فيما ارتبطت قوات العمالقة، بالشراكة مع قوات دفاع شبوة، بـ(9) حالات إخفاء قسري.
أحدث جرائم الإخفاء القسري
في أحدث جرائم الإخفاء القسري، شنت جماعة الحوثي حملة بحق عشرات من موظفي الوكالات والمنظمات الدولية والمحلية والسفارات الأجنبية بصنعاء، وتم احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي.
وبحسب بيان مشترك بين وكالات الأمم المتحدة؛ تم احتجاز (17) من موظفيها.
كما أكدت "هيومن رايتس ووتش" أن قوات الأمن الحوثية اعتقلت، بين 31 مايو/أيار و12 يونيو/حزيران الماضيين، ما يزيد عن (60) شخصاً، جميعهم مجهولو المصير حتى الآن، باستثناء حالة واحدة.
لم تكن النساء بمأمن من ذلك؛ فلا يزال مصير (4) نساء مجهولًا حتى اللحظة.
ذرائع الإخفاء القسري
تؤكد الوقائع أنه، في معظم حالات الإخفاء القسري التي تمارسها سلطات الأمر الواقع ضد كثير من الأشخاص، لا توجد أدلة على ارتكاب أولئك الأشخاص أية مخالفات، كما تشير منظمات حقوقية. لكنْ كثيرًا ما يتم ارتكابها ضدهم بذريعة التخابر، والتصدي لخطر الخصوم، وأحيانا بدعوى مكافحة الإرهاب؛ بينما في الواقع هي موجهة ضد المعارضين المفترضين أو الأقليات الدينية، أو كأداة ترهيب.
وتتهم منظمات حقوقية أطراف النزاع في اليمن، وخاصة جماعة الحوثي، بتوظيف ملف المعتقلين والمخفيين قسراً -في كثير من الأحيان- كوسيلة ضغط في محادثات السلام.
كما أن ملف المخفيين قسراً، غالباً ما يتسبب في عرقلة الجهود المبذولة في مفاوضات تبادل المحتجزين؛ حيث ترفض الأطراف كشف المعلومات المتعلقة بالمخفيين؛ ما يحول دون الإفراج عنهم، كما في حالة السياسي محمد قحطان الذي يخفيه الحوثيون منذ 2015.